الصفحة الرئيسية
>
شجرة التصنيفات
كتاب: الحاوي في تفسير القرآن الكريم
{أَفَرَأَيْتَ} يا أكمل الرسل هذا {الَّذِي تَوَلَّى} عن الإيمان وعاد إلى الكفر {وَأَعْطى قَلِيلًا} مما تعهد به إلى من أغواه {وَأَكْدى} قطع عطاءه وبخل بما وعد به وأصل الكدي من الكدية وهي حجر يظهر في البئر فيمنع من الحفر، نزلت هذه الآية في الوليد بن المغيرة كان اتبع حضرة الرسول فعيره المشركون بقوله تركت دين الأشياخ وضللت قال أني خشيت اللّه وعذابه قال فأنا أضمن لك إن أعطيتني كذا من المال ورجعت إلى دين آبائك فأتحمل عنك عذاب اللّه فرجع الوليد إلى الشرك واعطى الذي عيره وتعهد له بعض الذي ضمنه له من المال ومنعه الباقي ثم وبخه اللّه بقوله: {أَعِنْدَهُ} اي هذا الذي تولى {عِلْمُ الْغَيْبِ} بأن صاحبه يتحمل عنه ما يخافه من عذاب اللّه يوم القيامة {فَهُوَ يَرى} ما خفى عنه وهل يبصر شيئا من الغيب {أَمْ لَمْ يُنَبَّأْ} بخبر {بِما فِي صُحُفِ مُوسى} أسفاره وتوراته {وَإِبْراهِيمَ الَّذِي وَفَّى} ما أمره به ربه من تبليغ الرسالة وبما فرض عليه فيها من التكاليف التي منها امتثاله الأمر بذبح ولده، قال عطاء بن السائب: عهد ابراهيم على نفسه ان لا يسأل أحدا غير اللّه فلما قذف في النار قال له جبريل ألك حاجة، قال أما إليك فلا، وفاء بعهده فأنجاه اللّه ثم أخبر اللّه عما في صحفهما فقال: {أَلَّا تَزِرُ وازِرَةٌ وِزْرَ أُخْرى} اي لا تحمل نفس غير ذنبها كما لا تعاقب الا عليه راجع تفسير الآية 19 من سورة الأعلى المارة والمعنى لم يبلغه ذلك قبلا إذا كان لم يبلغه شيء من هذا المعنى الآن قال ابن عباس: كانوا قبل ابراهيم يأخذون الرجل بذنب غيره فيقتلونه بأبيه وأخيه وامرأته وعبده وتعلقاته كما يفعل اعراب البادية الآن إذ جرت عادتهم أن يقتلوا الرجل أو أن يسلبوه بقتل او سلب أحد من أقاربه وكانت الجاهلية قبل الإسلام تفعل هذا فما يقع الآن منه فهو من بقايا عوائدهم القبيحة فلا حول ولا قوة الا باللّه، فنهاهم اللّه عن ذلك وبلغهم أمره بأن لا تؤاخذ نفس بدل نفس.
أي عند ربك بما قدمت من عمل صالح، راجع الآية 11 من سورة غافر في ج 2.قال تعالى: {وَأَنَّهُ خَلَقَ الزَّوْجَيْنِ} راجع تفسيرها في الآية 3 من سورة الليل المارة، وكذلك ما يتعلق في قوله: {الذَّكَرَ وَالْأُنْثى} المخلوقين {مِنْ نُطْفَةٍ إِذا تُمْنى} تقذف وتنصب في الرحم (أما النبات فبالاختلاط والتلقيح...) وفي هذا تنبيه عظيم على قدرة القادر وعظمها وكمالها، لأن النطفة واحدة ويكون فيها أنثى وذكر بتقديره، وهذا مما لم يصل إليه الفهم ولم يتصوره العقل بعد، لأنهم حتى بعد تكوينه ووجوده في الرحم لم يعرفوا ما في الرحم هل هو ذكر أم أنثى؟ حتى ولا بعد تمام خلقه، لذلك كان في الخمس التي لا يعلمهن على الحقيقة إلا اللّه {وَأَنَّ عَلَيْهِ النَّشْأَةَ الْأُخْرى} الإحياء بعد الإماتة للحساب والجزاء كما كان عليه النشأة الأولى للعمل والثواب {وَأَنَّهُ هُوَ أَغْنى} عباده من الذهب والفضة والجواهر، وصنوف الأموال، وإضراب الأعيان، مما يدخر ومما لا {وَأَقْنى} خلقه المذكورين من الإبل والبقر والغنم والخيل والحمير والبغال وسائر أصناف النعم والمواشي {وَأَنَّهُ هُوَ رَبُّ الشِّعْرى} هي نجمتان الأولى شامية والأخرى يمانية وتفصل بينهما المجرة، فالأول كوكب يضيء خلف الجوزاء ويسمى العبور، والأخرى كوكب في ذراع الأسد المبسوط وتسمى العميصاء وهي أخفى من العبور، وسميت عبورا بفتح العين لأنها عبرت المجرة فلقيت سهيلا، وكانت خزاعة تعبدها، وأول من سنّ لهم عبادتها شريفهم أبو كبشة لأن سيرها يخالف سير النجوم لأنها تقطع السماء طولا والنجوم عرضا فأخبرهم اللّه بأنه هو رب معبودهم، ولذلك لقب أبو جهل غضب اللّه عليه حضرة الرسول صلوات اللّه عليه بابن أبي كبشة، لأنه جاءهم على ما يزعم بدين على خلاف دينهم الذي اعتادت العرب عليه تشبها له به في خلافه إياهم كما خالفهم أبو كبشة، وإنما خص اللّه تعالى الشعرى بالذكر دون غيرها لهذا السبب.ويقول الفلكيون بأنها أعظم من الشمس بملايين وان نورها لا يصل إلى الأرض إلا بمدة اثنتين وعشرين سنة بيد أن نور الشمس يصل إلى الأرض في بضع دقائق ولا يخفى أن هذا من قبيل الظن لأن مبنى مذهبهم في تقدير النجوم وسيره على الحدس إذ غاية ما يعتمدون عليه المكبرات والقياس ولا يخلوان من خطأ {وَأَنَّهُ أَهْلَكَ عادًا الْأُولى} هم قوم هود عليه السلام وهم أول الخلق هلاكا بريح صرصر بعد قوم نوح عليه السلام وصار لهم عقب فسموا عادا الأخرى أهلكهم اللّه أيضا راجع تفسير الآية 6 من سورة الفجر المارة تجد قصتهم مفصلة {وثمود} قوم صالح عليه السلام أهلكهم بالصيحة {فَما أَبْقى} منهم أحدا {وَقَوْمَ نُوحٍ} أهلكهم بالغرق من قبل عاد وثمود {إِنَّهُمْ كانُوا هُمْ أَظْلَمَ وَأَطْغى} ممن تقدمهم من الأمم إذ بقي يدعوهم إلى اللّه تسعمائة وخمسين سنة وهم مكبون على الطغيان لا يصغون لما إليه يدعوهم من الإيمان {وَالْمُؤْتَفِكَةَ} قرى قوم لوط عليه السلام {أَهْوى} أسقطها بعد أن رفعها جبريل عليه السلام إلى السماء {فَغَشَّاها} من البلاء العظيم {ما غَشَّى} منه فيه تهويل وتفظيع للعذاب الذي صبه عليهم فكأنه ألبسها إلباسا راجع قصص هؤلاء الأنبياء مع أقوامهم في تفسير الآية 58 فما بعدها من سورة الأعراف الآتية، وفي الآية 44 فما بعدها من سورة هود في ج 2، قال تعالى: {فَبِأَيِّ آلاءِ رَبِّكَ} أيها الإنسان {تَتَمارى} تشك وتكذب لأنها نعم عظيمه لا تستطيع حصرها قال تعالى: {وَإِنْ تَعُدُّوا نِعْمَةَ اللَّهِ لا تُحْصُوها} الآية 34 من سورة إبراهيم من ج 2، فيا أيها الناس {هذا} نبيكم محمد {نَذِيرٌ} لكم بهذا القرآن {مِنَ النُّذُرِ الْأُولى} الذين أرسلوا إلى أقوامهم لينذروهم بما أوحى إليهم ربهم من الشرائع فعليكم أن تطيعوه وتؤمنوا به ولا تتوانوا إذ {أَزِفَتِ} قربت الساعة {الْآزِفَةُ} أي القيامة الموصوفة بالقرب وأنها إذ حضرت {لَيْسَ لَها مِنْ دُونِ اللَّهِ كاشِفَةٌ} أي الحالة التي تقع فيها على الناس لا يقدر أن يزيلها عنهم أحد إلا اللّه إذ كل نفس عاجزة عن إزاحة ما يصيبها ولا يعلم وقتها إلا اللّه، راجع الآية الأخيرة من سورة لقمان من ج 2، قال تعالى: {لا يُجَلِّيها لِوَقْتِها إِلَّا هُوَ} الآية 156 من الأعراف الآتية {أَفَمِنْ هذَا الْحَدِيثِ} القرآن القديم المحدث نزوله عليكم في علم اللّه الأزلي {تَعْجَبُونَ} أيها الناس وتنكرون حقيقته {وَتَضْحَكُونَ} منه استهزاء به وبمن أنزل عليه {وَلا تَبْكُونَ} خشوعا وخوفا من منزله وتعرضون عما فيه من الوعيد {وَأَنْتُمْ سامِدُونَ} غافلون لا هون بما لديكم من الدنيا معرضون عن الآخرة.والسمود بلغة اليمن الغناء وفي اللغة رفع الرأس يقال سمد البعير إذا رفع رأسه وجد في السير والسامد اللاهي، أي وأنتم لاهون عنه بالغناء غافلون عن سماعه بلعبكم، فتيقظوا أيها الناس وإذا آمنتم به {فَاسْجُدُوا لِلَّهِ} شكرا على إرسال واحد منكم من قبل ربكم لإرشادكم وهدايتكم لسبيله {وَاعْبُدُوا} اللّه وحده ولا تشركوا به شيئا مما يعبده المشركون الضالون المهلكون.
|